العفو سلاح الأقويـــاء
صفحة 1 من اصل 1
العفو سلاح الأقويـــاء
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ندب الله عباده إلى العفو فقال: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ
وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199]. وقال تعالى:
{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134].
إن الرحمة في قلب العبد تجعله يعفو عمَّن أساء إليه أو ظلمه، ولا يوقع به
العقوبة عند القدرة عليه، وإذا فعل العبد ذلك كان أهلاً لعفو الله عنه.
يقول الله تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ
أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ
يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22].
وقد نزلت هذه الآية عندما حلف أبو بكر رضي الله عنه
ألا ينفق على مِسْطَح لأنه من الذين اشتركوا في إشاعة خبر الإفك عن عائشة
رضي الله عنها، وقد كان الحلف عقوبة من الصديق لمسْطَح، فأرشد الله إلى
العفو بقوله: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا}.
[size=21]ثم ألمح الله في آخر الآية إلى أن من يعفو عمَّن يسيء إليه فإن الله يعفو عنه: { أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}.
وقد ورد عن الصديق رضي الله عنه أنه قال: "بلغنا أن
الله تعالى يأمر مناديًا يوم القيامة فينادي: مَن كان له عند الله شيء
فليقم، فيقوم أهل العفو، فيكافئهم الله بما كان من عفوهم عن الناس".
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الدعوة بالأخلاق الحميدة
إن الإسلام يريد من أبنائه أن يكونوا دعاةً للإسلام
بأخلاقهم الحميدة من أجل ذلك وجههم إلى العفو حتى عن الكافرين إن أساءوا
على المستوى الشخصي : {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا
يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}
[الجاثـية:14].
ولقد كان تعامل المسلمين بهذه الأخلاق السامية مع
غير المسلمين سببًا لإسلام كثير منهم، وأسوة المسلمين في هذا رسول الله صلى
الله عليه وسلم؛ فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: "كأني أنظر
إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه،
وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: (رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) ".
إن تربية الإسلام لأبنائه على هذا المعنى العظيم السامي هي التي جعلت عمر بن الخطاب يقول: "كل أمتي مني في حِلٍّ".
ونفس المعنى نستشعره في كلمات ابن مسعود رضي الله عنه حين جلس في السوق
يشتري طعامًا، فلما أراد أن يدفع الدراهم وجدها قد سُرقت، فجعل الناس يدعون
على من أخذها، فقال عبد الله بن مسعود: "اللهم إن كان حمله على أخذها حاجة
فبارك له فيها، وإن كان حملته جراءة على الذنب فاجعله آخر ذنوبه".
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
العفو أولى
وإذا كان الإسلام قد قرر حق المظلوم في معاقبة
الظالم على السيئة بمثلها وفق مقتضى العدل، فإن العفو والمغفرة من غير
تشجيع على الظلم والتمادي فيه أكرم وأرحم. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ
إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ
سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ
إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ
فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى
الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ
الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ
إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 39 - 43].
فقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ
الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}
يبرز حق المؤمنين في الانتصار لأنفسهم إذا أصابهم البغي، ويضع لجامًا لهذا
الانتصار للنفس وهو الحد الذي لا يجوز تجاوزه.
ثم يعرض الله مرتبة الإحسان مشجعًا عليها فيقول: {
فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} ثم يتبع ذلك بإعلان
حرمان الظالمين من محبة الله: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}. ثم يرجع
النص فيعلن حق المظلومين في أن ينتصروا لأنفسهم، ويعلن بشدة استحقاق
الظالمين للعقاب في الدنيا، وللعذاب الأليم في الآخرة فيقول: { وَلَمَنِ
انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ *
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي
الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، ثم لا
يدع النص مرتبة العدل هذه تتجه إليها الأنظار بالكلية، بل يدفع مرة ثانية
إلى مرتبة الإحسان بالصبر والمغفرة معلنًا أن ذلك من عزم الأمور: {وَلَمَنْ
صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.
وهكذا جاءت هذه الصفة في النص معروضة عرضًا متشابكًا
متداخلاً، فيه إبداع بياني عجيب، يلاحظ فيه متابعة خلجات النفس، باللمسات
الرفيقة، والتوجيهات الرقيقة، مع مراعاة آلام المجني عليهم، والنظر بعنف
وشدة إلى البغاة الظالمين، وإعلان أن من حق المجني عليهم أن ينتصروا
لأنفسهم بالحق، ثم العودة لدفعهم برفق إلى الصبر والمغفرة، كل ذلك في ألوان
دائرة بين العدل والإحسان.
ثم في آيات أخرى يبين القرآن ما لهؤلاء العافين عن
الناس من الأجر: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ
عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ
يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ
وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:
133، 134].
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
العفو دليل كرم النفس
إن الذي يجود بالعفو عبدٌ كرمت عليه نفسه، وعلت همته
وعظم حلمه وصبره، قال معاوية رضي الله عنه: "عليكم بالحلم والاحتمال حتى
تمكنكم الفرصة، فإذا أمكنتكم فعليكم بالصفح والإفضال".
ولما أُتي عبد الملك بن مروان بأسارى ابن الأشعث في وقت الفتنة قال عبد
الملك لرجاء بن حيوة: ماذا ترى؟ قال: إن الله تعالى قد أعطاك ما تحب من
الظفر فأعط الله ما يحب من العفو، فعفا عنهم.
إن العفو هو خلق الأقوياء الذين إذا قدروا وأمكنهم الله ممن أساء إليهم عفوا.
قال الإمام البخاري رحمه الله: باب الانتصار من
الظالم لقوله تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ
يَنْتَصِرُونَ} قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون أن يستذلوا فإذا قدروا
عفوا.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
العفو يورث صاحبه العزة
ولأن بعض الناس قد يزهد في العفو لظنه أنه يورثه
الذلة والمهانة فقد أتى النص القاطع يبين أن العفو يرفع صاحبه ويكون سبب
عزته. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وما تواضع أحد
لله إلا رفعه الله" [رواه مسلم].
وأولى الناس بعفوك الضعفاء من الزوجات والأولاد
والخدم ومن على شاكلتهم، ولهذا لما بيَّن الله أن من الأزواج والأولاد من
يكون فتنة قال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ
وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا
وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التغابن:14].
فالإنسان من عادته أن يكون البادئ بالإحسان لزوجه
وأولاده، فإذا وجد فيهم إساءة آلمته جدًّا فلربما اشتد غضبه وصعب عليه أن
يعفو ويصفح لأنه يعتبر إساءة الأهل حينئذ نوعًا من الجحود ونكران الجميل،
لهذا احتاج إلى توجيه إرشاد خاص إليه بأن يعفو ويصفح حتى يستحق من الله
المغفرة والعفو والصفح.
أما الخدم ومَنْ على شاكلتهم فقد سئل عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: كم
نعفو عن الخادم؟ فصمت، ثم أعاد عليه الكلام فصمت، فلما كان في الثالثة قال:
"اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة" [رواه أبو داود وصححه الألباني].
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
فيا أخي:
إذا ما الذنب وافى باعتذار فقابله بعفو وابتسام
[/size]
رد: العفو سلاح الأقويـــاء
فسبحانَ مَن يرحمُ ببلائه، ويبتلى بنعمائه كما قيل:
قَدْ يُنْعِمُ اللهُ بِالْبَلْوَى وَإنْ عَظُمَتْ وَيَبْتَلِى اللهُ بعْضَ الْقَوْمِ بِالنِّعَمِ
فلولا أنه سبحانه يداوى عباده بأدوية المحن والابتلاء، لطَغَوا، وبَغَوْا،
وعَتَوْا، واللهُ سبحانه إذا أراد بعبد خيراً سقاه دواءً من الابتلاء
والامتحان على قدر حاله يستفرِغُ به من الأدواء المهلكة، حتى إذا هذَّبه
ونقَّاه وصفَّاه، أهَّلَه لأشرفِ مراتب الدنيا، وهى عبوديتُه، وأرفع ثواب
الآخرة، وهو رؤيتُه وقُربه ومِن عِلاجها: أن يعلم أنَّ مرارةَ الدنيا هى
بعينها حلاوةُ الآخرة، يَقلِبُها الله سبحانه كذلك، وحلاوة الدنيا بعينها
مرارةُ الآخرة، ولأَنْ ينتقل مِن مرارة منقطعة إلى حلاوة دائمة خيرٌ له من
عكس ذلك. فإن خَفِىَ عليك هذا، فانظر إلى قول الصادق المصدوق: "حُفَّتِ
الجَنَّةُ بالمَكَارهِ،
قَدْ يُنْعِمُ اللهُ بِالْبَلْوَى وَإنْ عَظُمَتْ وَيَبْتَلِى اللهُ بعْضَ الْقَوْمِ بِالنِّعَمِ
فلولا أنه سبحانه يداوى عباده بأدوية المحن والابتلاء، لطَغَوا، وبَغَوْا،
وعَتَوْا، واللهُ سبحانه إذا أراد بعبد خيراً سقاه دواءً من الابتلاء
والامتحان على قدر حاله يستفرِغُ به من الأدواء المهلكة، حتى إذا هذَّبه
ونقَّاه وصفَّاه، أهَّلَه لأشرفِ مراتب الدنيا، وهى عبوديتُه، وأرفع ثواب
الآخرة، وهو رؤيتُه وقُربه ومِن عِلاجها: أن يعلم أنَّ مرارةَ الدنيا هى
بعينها حلاوةُ الآخرة، يَقلِبُها الله سبحانه كذلك، وحلاوة الدنيا بعينها
مرارةُ الآخرة، ولأَنْ ينتقل مِن مرارة منقطعة إلى حلاوة دائمة خيرٌ له من
عكس ذلك. فإن خَفِىَ عليك هذا، فانظر إلى قول الصادق المصدوق: "حُفَّتِ
الجَنَّةُ بالمَكَارهِ،
زاد المعاد - الجزء الرابع
أبن القيم "رحمه الله تعالى"
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى